كيف يمكن لأولياء الأمور إعداد أبنائهم لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين؟
يعلم الجميع أن أولياء الأمور يريدون تقديم الأفضل لأبنائهم، ولكن ما هو “الأفضل” بالنسبة لهم؟ يمكنك أن تجد تعريف الأفضل في مراجع مختلفة متخصصة في مجال التربية المتميزة، ولكن الأفضل بالنسبة لأولياء الأمور في هذا السياق يتمثل في القيم العائلية التي تربوا عليها وحرصوا على غرسها في أبنائهم، بما في ذلك تعريفهم لما هو مهم في الحياة وكيفية الحصول على الرفاهية والسعادة.
ومن المعروف أيضاً أن مفاهيم الرفاهية العامة والسعادة نادراً ما تتغير بمرور الوقت، فعادةً ما تبقى القيم والتقاليد التي ينقلها أولياء الأمور إلى الجيل التالي هي ذات القيم التي كانت مهمة لعقود، بل وحتى لقرون ضمن أسرهم.
ورغم ذلك، فلا يمكننا تجاهل تأثير التغير المتسارع في العالم على الحياة من حولنا، فمنذ 30 عاماً فقط ظهرت أجهزة الكمبيوتر على طاولات المكاتب وكانت الهواتف المحمولة نادرة الاستخدام، وخلال بضع سنوات فقط أصبحنا نستخدم الهواتف الذكية لدفع الفواتير والتحقق من مؤشراتنا الصحية واستعارة الكتب. ليست التكنولوجيا وحدها هي المسؤولة عن هذا التغيير، فلعوامل أخرى كتغير المناخ والعولمة أثراً كبيراً على طبيعة الحياة التي نحياها اليوم.
تقودنا تلك الأفكار لعدة تساؤلات… هل يمكن أن تظل توجيهات أولياء الأمور المعتمدة على القيم العائلية التقليدية صالحة وكافية؟ كيف يمكن لأولياء الأمور تشجيع أطفالهم على عيش حياة هادفة ومُرضية في المستقبل؟ في حين يشعر الكثير من الآباء بالقلق من سرعة التغير في العالم من حولنا، ما هي القيم والمهارات التي سيحتاجها الكبار في المستقبل؟
هل يمكن أن تظل توجيهات أولياء الأمور المعتمدة على القيم العائلية التقليدية صالحة وكافية؟ كيف يمكن لأولياء الأمور تشجيع أطفالهم على عيش حياة هادفة ومُرضية في المستقبل؟
قد لا يعتقد بعض أولياء الأمور أنهم مسؤولون عن نجاح أطفالهم في حياتهم العملية المستقبلية، ولكن الأمر يستدعي التأمل، كون هؤلاء الأطفال سيقضون معظم أوقاتهم كبالغين في العمل.
في كتابهما، مهارات القرن الحادي والعشرين: التعلم من أجل الحياة في زماننا، توقع الباحثان بيرني تريلينج وتشارلز فاضل في عام 2009، أن الحياة العملية في القرن الحادي والعشرين ستكون أكثر تجزؤاً لأن العمل سيعتمد على المشاريع القصيرة عوضاً عن التوظيف المستقر طويل الأمد. كما سيصبح من السائد ألا يتواجد المديرون مع موظفيهم في نفس المكتب، بل وربما سيعملوا عن بعد من بلد آخر.
مما يعني أن بيئة العمل المستقبلية تستدعي أن يكون لدى الموظف القدرة على اتخاذ القرارات وتحمل مسؤوليتها. وبطبيعة الحال تعد القدرة على اتخاذ القرار حاجة فطرية لدى الجميع، فمنذ الطفولة تكون لدينا الرغبة في أن نقرر بشأن أبسط الأمور مثل اللعبة التي نريد أن نلعب بها، وعندما نذهب إلى المدرسة نخطط لأوقات الدراسة، أو نوع هدية عيد الميلاد التي سنمحنها لصديقنا. لا يشجع ألياء الأمور هذه المهارة لدى أبنائهم غالباً لاعتقادهم بأن على البالغين حماية أطفالهم من خيبات الأمل وعواقب القرارات الخاطئة.
قد لا يمتلك الأطفال المعرفة التي يمتلكها البالغين أو خبراتهم الحياتية، وقد تعود خياراتهم بالضرر عليهم وعلى الآخرين. رغم ذلك، فإن اتخاذهم للقرارات يساعدهم بشكل كبير على استيعاب مفهوم العواقب وما يترتب عليها. ففي حال كان قرارهم صائباً فإن تقديرهم لذواتهم وإيمانهم بأنفسهم يتزايد، كما أنهم يتعلمون المهارات الأساسية لصنع القرار في حياتهم الشخصية. أما إذا كان خيارهم خاطئاً، تتاح الفرصة لأولياء الأمور لتعليمهم مهارات مهمة مثل مهارات التعامل مع اللحظات الصعبة وخيبات الأمل.
غالباً ما يتصف البالغون الذين اتخذ أولياء أمورهم جميع القرارات نيابة عنهم في طفولتهم بالسلبية والعجز، كما أنهم يميلون إلى تجنب اتخاذ القرارات مفضلين تلقي التعليمات. في مثل تلك الحالات، يلجأ البالغين إلى إلقاء اللوم على مستشارهم بدلاً من تحمل مسؤولية اختياراتهم إن كانت النصيحة المقدمة سيئة. أما إذا كان الحل المقدم جيداً، فلن يكونوا سعداء به لأن القرار لم يكن صادراً عنهم. وبناءً على ذلك، غالباً ما يعيش هؤلاء الأشخاص حياة سلبية وغير مرضية.
هذا لا يعني أن للأطفال القدرة على اتخاذ قرارات بشأن كل شيء؛ ولكن في بعض الأحيان، يمكن أن يمنحوا الفرصة لتقرير ما ستتناوله الأسرة على الغداء أو كيف ستقضي الأسرة عطلتها. الآباء والأمهات الجيدين يدركون الحالة التنموية لأطفالهم، ويشجعوهم على تحمل المسؤولية وتجربة استقلاليتهم في بيئة آمنة، واتخاذ القرارات في الأمور التي يكون للطفل فيها ملكية طبيعية. يجب على أولياء الأمور عدم التخلي عن مسؤولياتهم كأفراد بالغين في الأسرة.
يجب ألا يقتصر دور الآباء والأمهات على تقديم الحلول، بل يتوسع ليشمل الاستماع إلى احتياجات أطفالهم الأساسية والبحث عن حلول بديلة.
قد نسأل أنفسنا عما يجب على أولياء الأمور فعله لإعداد أطفالهم لتحديات القرن الحادي والعشرين. والإجابة بسيطة.. إن دعم الأطفال في اتخاذ القرار ومساعدتهم على تحمل مسؤولية أفعالهم؛ تأتي ضمن المهام الأساسية لأولياء الأمور في تربية أطفالهم وإعدادهم للقرن الحادي والعشرين. يجب ألا يقتصر دور الآباء والأمهات على تقديم الحلول، بل يتوسع ليشمل الاستماع إلى احتياجات أطفالهم الأساسية والبحث عن حلول بديلة.
لذا في المرة القادمة التي يقول لك طفلك أنه يشعر بالملل، لا تقترح عليه ما يجب عليه فعله، ولكن ذكره بالاختيارات العديدة التي يملكها. وعبر تلك المناقشة، سيتمكن الطفل من التوصل للعديد من الأفكار والاختيارات المتاحة، مما سيسهل عليه عملية الاختيار. إن تجنب تقديم الحلول بشكل مباشر يشجع الأطفال على تنظيم حياتهم، وهو أمر ضروري في القرن الحادي والعشرين.
د. كاي ماركوس تالڤيو، أستاذ مشارك ورئيس برنامج دبلوم الدراسات العليا في التعليم في أكاديمية الشارقة للتعليم، وهو أيضاً أستاذ مساعد في جامعة هلسنكي بفنلندا، وتزيد خبرته في مجال التعليم عن 30 عاماً. شغل منصب كبير المحاضرين في جامعة هلسنكي من 2018-2021، حيث كان مسؤولاً عن التدريب على مهارات التفاعل، وتنمية المجموعة، وعلم النفس التربوي باللغتين الفنلندية والإنجليزية.
إلى جانب تدريس علم التربية وعلم النفس التربوي للطلاب الفنلنديين والأجانب في كلية العلوم التربوية، أشرف د. تالڤيو على اثنين من طلاب الدكتوراه وحوالي 40 طالب ماجستير وبكالوريوس. كما تَولى كذلك مسؤولية تقديم دورات التعلم المعكوس المبتكرة ورقمنتها مع فريق علم النفس التربوي منذ عام 2018. وقد أصدر 31 منشوراً علمياً دولياً وقدم 40 عرضاً تقديمياً في المؤتمرات والفعاليات العلمية الدولية منذ عام 2008.
الإصدارات المقبلة: كتاب بعنوان “التواصل المؤثر” لماركوس تالفيو وأولا كليمولا. يقدم الكتاب الصادر باللغة العربية المهارات الأساسية للتربية والتواصل الاجتماعي المؤثر.