تطبيق الدمج في المدارس:

رغم صعوبة التحديات، ما الذي يمكن للقادة فعله حيال ذلك؟

ظهر مفهوم الدمج منذ عقود، وقد شهد العاملون في مجال التعليم طيفاً واسعاً من الممارسات، بدءاً من الخدمات عالية الجودة والمُدعّمة، وصولاً إلى الفرص المحدودة للطلاب لتحقيق النجاح في الفصول الدراسية التقليدية. فمن ناحية، يعبر المعلمون غالباً عن إحباطهم من نقص التدريب لدعم الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، في حين يواجه مديرو المدارس أولويات ملحّة ومسائل تمويلية تهدد مبدأ الإنصاف في التعليم وتحقيق شعار “التعليم للجميع” بشكل حقيقي.

على مدار مسيرتي المهنية كمعلم وباحث في تدريب المعلمين على الدمج والقيادة التربوية، تواصلت مع العديد من مديري المدارس والمعلمين، واستمعت إلى تعريفاتهم الخاصة لمفهوم الدمج وشاهدت كيفية تفسيرهم وتطبيقهم لهذا المفهوم في مدارسهم. في كل من النقاشات الرسمية وغير الرسمية، يبرز التربويون باستمرار التحديات المتعلقة بارتفاع نسب الطلاب مقارنة بالمعلمين، واختلاف الآراء حول مفهوم التعليم الدامج والشامل، وأساليب التقييم التي تبدو غالباً منفصلة عن الممارسات الشمولية، وبالرغم من هذا الكم الكبير من الرؤى، أشعر بأننا، كباحثين ومحترفين، لم نحرز تقدماً يُذكر نحو تحسين بيئة الدمج في بعض الأحيان.

عند التحدث مع مديري المدارس والمعلمين، أسمع باستمرار عن القضايا المتكررة المحيطة بالتعليم الشامل وقيادة العملية التعليمية. ومن اللافت أن الحكومات في دول مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر وعُمان كانت سخية نسبياً في تمويلها للتعليم، متجاوزة المعدل المتوسط وفقاً للموارد التي توفرها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومع ذلك، لا يزال الدمج مسألة مستمرة ومثيرة للجدل، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الرئيسة التي تجعل الدمج تحدياً كبيراً يصعب تنفيذه بفعالية. يشير العديد من مديري المدارس إلى أن التدريب جزء اعتيادي من عملهم مع المعلمين، خاصة فيما يتعلق بالدمج واستراتيجيات دعم احتياجات المتعلمين المتنوعة. لكن هذا يدفعني لطرح المزيد من الأسئلة: ما نوع التدريب المقدم؟ وما هي مكوناته الرئيسة؟ ومن المسؤول عن تقديم هذا التدريب؟ وربما الأهم، ما هي الممارسات العملية التي يطبقها المعلمون بعد ذلك؟ عند التفكير في هذه الأسئلة، أتساءل أيضاً عن وجهات نظر المعلمين تجاه التدريب المهني في الدمج وما إذا كانوا جميعاً يتبنون هذا المفهوم ويؤمنون به حقاً.

من بين الممارسات الجيدة التي اعتمدها بعض المديرين لدعم الدمج في مدارسهم:

  1. تصميم مناهج عالية الجودة تدور حول احتياجات الطلاب الفردية، مما يتيح في بعض الحالات تجارب تعليمية هادفة.
  2. الابتكار في تنفيذ أساليب التعليم والتعلم مع الحفاظ على إطار المنهج الدراسي، خاصة في المدارس التي يتمتع فيها المعلمون بقدر محدود من الحرية في محتوى المنهج وتنفيذه. نتفق جميعاً أن هذا التقييد بين المعلمين والمديرين قد أثّر بلا شك على مدى فعالية تطبيق الدمج.
  3. مواكبة التطورات التي يشهدها التعلم والتعليم لدعم المتعلمين على اختلافهم، مع ضمان استمرار النقاش لاستكشاف مفاهيم جديدة للقيادة والدمج.

في السنوات الأخيرة، أجريت عدة دراسات مع زملائي حول القيادة المدرسية وسياسات الدمج، والتي كشفت عن رؤى مهمة تتعلق بتحديات وإمكانيات تحسين الممارسات الشمولية. وقد أظهرت دراسات مثل مسوتي وآخرين (2023) ومسوتي وآخرين (2024) المنشورة في مجلة الاستدامة، إلى جانب السعداوي وآخرين (2024) في المجلة الدولية للقيادة التعليمية، حاجة ملحة لزيادة مشاركة أولياء الأمور كأطراف رئيسة في عملية الدمج. تشير هذه الدراسات إلى أن الشراكة بين المدارس والمنظمات الخيرية يمكن أن توفر دعماً مالياً للطلاب ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة أو ذوي الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية الأقل، حيث يواجه العديد من الآباء صعوبة في تغطية تكاليف دعم التعلم لأطفالهم.

في الوقت الذي أؤيد فيه وجهة النظر التي تعتبر مشاركة الآباء أمراً ضرورياً، إلا أنه من الواضح أيضاً أن بعض الآباء منفصلون عن مدرسة أبناءهم، وغالباً ما ينبع هذا الانفصال من الاختلافات الثقافية بين الآباء والمعلمين أو من الفكرة القائلة بأن المدرسة يجب أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن تعليم الطفل، وقد أدت هذه الحواجز إلى فجوة ملحوظة بين المدرسة والمنزل، وهي فجوة تتطلب اهتماماً عاجلاً في تطوير سياسات الدمج المستقبلية. من المحتمل أن يشمل سد هذه الفجوة إيجاد طرق إبداعية ومبتكرة لإشراك الآباء بشكل فعّال في مسيرة تعليم أطفالهم، وتزويد المعلمين باستراتيجيات أفضل لدعم المتعلمين على اختلافهم.

يمكن لمديري المدارس دعم مشاركة الآباء في رحلة تعلم أطفالهم بطرق إبداعية، منها:

  • ضمان وجود قنوات اتصال واضحة بين الآباء والعاملين في المدرسة (البريد الإلكتروني، المكالمات الهاتفية، النشرات الإخبارية أو التطبيقات).
  • تسهيل ورش عمل تساعد الآباء على متابعة تطور أطفالهم وكيفية دعمهم في المنزل باستخدام الموارد المتاحة من المدرسة.
  • إدراك احتياجات كل أسرة وتوفير فرص تفاعلية مرنة، مثل الاجتماعات الافتراضية، والتي قد تكون مفيدة جداً.
  • إنشاء مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي حيث يمكن للآباء مشاركة الموارد والنصائح وبناء مجتمع متواصل.

في الختام، ذكرتُ بعض الممارسات التي يعتمدها مديرو المدارس والمعلمون إلى جانب التحديات التي يواجهونها أثناء سعيهم لدمج جميع الطلاب في ممارساتهم اليومية، ويكمن الأمل في أن تشجعنا هذه القصص الواقعية على إعادة التفكير فيما يجعل مدارسنا بيئات أكثر سعادة وفصولنا أكثر إيجابية ودعماً وجذباً للطلاب. ربما سيعيد مديري المدارس النظر في كيفية توزيع الأدوار بين الكادر المدرسي لتقديم الدعم والرعاية للطلاب من ذوي الاحتياجات المتنوعة، وتحقيق ذلك يتطلب استثماراً كبيراً في الموارد البشرية الإضافية وتزويد المعلمين بالأدوات اللازمة لتعزيز توجههم نحو الدمج.

إلى أن تدرك مدارسنا الحاجة إلى تغيير جذري في كيفية التعامل مع مفهوم الدمج، سنواصل رؤية تقدم تدريجي ولكنه واعد في ممارسات التعليم الشامل، وتعد هذه الممارسات المتطورة مصدر فخر، إذ تعكس مرونة وإبداع التربويين الملتزمين بخدمة جميع الطلاب.

 

المراجــع

ماسوتي، أ., شيّا، ن.,  و أبوخيط، ر. (2023). إعادة النظر في القيادة المدرسية: استكشاف تطبيق إطار سياسة الدمج التعليمي في دبي. الاستدامة، 15 (5)، 4274.

مسوتي، أ., الرشايدة، م., و الحوسني، م. (2024). دراسة نوعية حول سياسة الدمج التعليمي في دبي من منظور مديري المدارس. الاستدامة، 16 (3)، 1252.

سعداوي،ع.,  مسوتي، أ., و الرشايدة، م. (2024). دراسة العلاقة بين القيادة الخادمة في المدارس ورضا المعلمين الوظيفي: حالة من الإمارات العربية المتحدة. المجلة الدولية للقيادة التعليمية. https://doi.org/10.1080/13603124.2024.2311216.

د. أيمن ماسوتي لديه 20 عامًا من الخبرة في مجال التعليم في الإمارات العربية المتحدة وكندا. وهو أستاذ مساعد في قسم القيادة التربوية، ويكرّس جهوده لتعزيز تفاعل الطلاب. تركز أبحاثه على تعليم المعلمين، وسياسات التعليم الشامل، والقيادة التربوية في المدارس ومؤسسات التعليم العالي. يدعو الدكتور أيمن المعلمين إلى الالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية والمهنية.

شارك الدكتور ماسوتي في مشروعات دراسات المناهج والسياسات بالتعاون مع علماء بارزين في كندا والإمارات. وهو زميل في أكاديمية التعليم العالي في المملكة المتحدة ومعلم معتمد في أونتاريو. قبل توليه منصبه الحالي، شغل الدكتور ماسوتي منصب أستاذ مساعد ومنسق البرامج في جامعة أبوظبي. كما درّس في برنامج إعداد المعلمين بجامعة ويسترن في كندا، حيث ساهم في أبحاث حول قيادة المدارس، والتعلم عبر الإنترنت خلال جائحة كوفيد-19، وتقييم البرامج التعليمية في المدارس (K-12).

Leave a Comment